مدى ترتب أثر الطلاق الشفوي حال إقرار الطرفين به من غير تلفظ

11 فبراير 2024 م

ما مدى ترتب أثر الطلاق الشفوي حال إقرار الطرفين به من غير تلفظ؟ فقد اتفقت أنا وزوجتي على إنهاء الزوجية بيننا بالتراضي، ولم أتلفظ بلفظ الطلاق، ثم كتبتُ إقرارًا في ورقةٍ عُرفية يفيد أني قد طلقت زوجتي، وأنها قد استلمت حقوقها، فهل هذا الإقرار المكتوب يقع به الطلاق دون أن أنطق به؟

المحتويات

 

مدى حجية الإقرار في الشريعة الإسلامية

الإقرار من وسائل الإثبات، بل هو أشدها وأقواها؛ إذ إنه إخبار بالحق على وجهٍ مَنفيةٍ عنه التهمةُ والريبة؛ لأن العاقل لا يكذب على نفسه كذبًا يضرها.

قال العلامة ابن مودود الموصلي في "الاختيار" (2/ 127، ط. الحلبي): [الإقرار: اعترافٌ صادرٌ من المُقِرِّ، يَظهر به حقٌّ ثابت، فيَسْكُن قلب المُقَرِّ له إلى ذلك، وهو حجَّةٌ شرعيَّةٌ، دلَّ على ذلك الكتابُ والسُّنة والإجماع وضَرْبٌ من المعقول] اهـ.

وقال الإمام ابن قُدَامة في "المغني" (5/ 109، ط. مكتبة القاهرة): [إنَّ الأمة أجمعت على صحة الإقرار] اهـ.

والإقرارُ كما يكون باللفظ يكون أيضًا بالكتابة الواضحة المستبينة؛ لأنَّ "البيان بالكتاب، بمنزلة البيان باللسان" كما قال الإمام السَّرَخْسِي في "المبسوط" (6/ 143، ط. دار المعرفة).

قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "رد المحتار" (5/ 600، ط. دار الفكر): [فرع: ادَّعى المديونُ أن الدائن كتبَ على قرطاس بخطه: أن الدَّيْنَ الذي لي على فلان بن فلان أبرأتُه عنه، صَحَّ، وسقط الدَّيْن؛ لأنَّ الكتابة المرسومة المُعَنْوَنة كالنطق به] اهـ.

وقال الإمام الباجي المالكي في "المنتقى" (1/ 360، ط. مطبعة السعادة): [الكلام إنما هو المعنى القائم في النفس، فتارة يُعَبَّر عنه باللفظ، وتارة بالإشارة، وتارة بالكتابة] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي الشافعي في "تحفة المحتاج" (5/ 365، ط. المكتبة التجارية الكبرى) في الكلام عن صيغة الإقرار: [شرطها: لفظ أو كتابة، ولو من ناطق، أو إشارة أخرسَ تُشعر بالالتزام بحق] اهـ.

وقال العلامة البُهوتي الحنبلي في "كشاف القناع" (6/ 573، ط. دار الكتب العلمية) في تعريف الإقرار: [(إظهار مكلفٍ مختار ما عليه لفظًا) أي بلفظ (أو كتابة أو إشارة من أخرس أو على موكله أو موليه) مما يمكن إنشاؤه لهما (أو) على (موروثه بما يمكن صدقه) وأتى محترز قيوده، وهو ثابتٌ بالإجماع] اهـ.

حكم الرجوع في الإقرار

إذا أقرَّ الإنسانُ بشيءٍ ثم أرادَ الرجوع عن إقراره؛ بأن أنكره، أو أظهر عُذرًا يطعن به في صحة هذا الإقرار، نُظِرَ: إن كان الإقرار مُتعلِّقًا بحقٍّ من حقوق الله تعالى، كالزنا ونحوه من الحقوق التي تسقط بالشُّبهة: فيرى جمهور الفقهاء جواز رجوعه في الجملة؛ لحدوث الشبهة التي تَسْقُط بها الحدود. ينظر: "بدائع الصنائع" للإمام الكاساني الحنفي (7/ 61، ط. دار الكتب العلمية)، و"الشرح الكبير" للإمام الدردير المالكي (4/ 318، ط. دار الفكر)، و"أسنى المطالب" لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري الشافعي (4/ 131، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"المغني" لابن قدامة الحنبلي (9/ 80، ط. مكتبة القاهرة)، و"كشاف القناع" للعلامة البهوتي الحنبلي (6/ 573).

وإن كان الإقرار متعلِّقًا بحقٍّ من حقوق العِباد ثبَتَ عليه أو صدر عنه كالطلاق والديون، أو بحقٍّ من حقوق الله التي لا تَسقط بالشُّبهة كالزكاة والكفارات وما إلى ذلك، ومن ثمَّ فقد نص الفقهاء على أن الزوج يُؤاخذ قضاءً وديانةً بإخباره وإقراره بوقوع طلاقٍ سابقٍ منه متى كان صادقًا فيهما، فإن لم يكن قد حصل منه طلاقٌ في الواقع أو رجع في إقراره، أو أنكره ونفى ما أقرَّ به على نفسه، أوْ نفى وقوعَه، أو ادَّعى أنه كان كاذبًا فيه أو هازلًا في إقراره أُخِذ بهذا الإقرار قضاءً ويحكم بوقوع الطلاق، أمَّا ديانةً -أي: فيما بينه وبين الله تعالى- فيُصدَّق، وفي حالة إقامة الزوج بينةً على ما يدعيه فإنَّه يصدَّق قضاءً وديانةً.

قال العلامة ابن نُجَيم الحنفي في "البحر الرائق" (3/ 264، ط. دار الكتاب الإسلامي): [لو أُكره على أن يُقِرَّ بالطلاق فأقرَّ: لا يقع، كما لو أقر بالطلاق هازلًا أو كاذبًا... ومراده بعدم الوقوع المُشَبَّهِ به -أي: في قوله: كما لو أقر بالطلاق هازلًا أو كاذبًا-: عَدَمُه دِيانة؛ لِمَا في "فتح القدير": ولو أقر بالطلاق وهو كاذب وقعَ في القضاء. وصرَّح في "البَزَّازية" بأن له في الديانة إمساكَها إذا قال: أردتُ به الخبرَ عن الماضي كذبًا] اهـ.

وقال العلَّامة سعد الدِّين التفتازاني في "التلويح على التوضيح" (2/ 380، ط. مكتبة صبيح): [يبطل الإقرار بالطلاق والعتاق مكرهًا، كذلك يبطل الإقرار بهما هازلًا؛ لأن الهزل دليل الكذب كالإكراه، حتى لو أجاز ذلك لم يجز؛ لأن الإجازة إنما تلحق شيئًا منعقدًا يحتمل الصحة والبطلان، وبالإجازة لا يصير الكذب صدقًا، وهذا بخلاف إنشاء الطلاق والعتاق ونحوهما] اهـ.

وأورد العلَّامة ابن عابدين الحنفي كلام العلَّامة التفتازاني السابق في "حاشيته على الدر المختار" (3/ 238، ط. دار الفكر) دافعًا به ما يُوهم ظاهرُه التعارض بين عبارات مشايخ الحنفية؛ حيث قال عَقِبه: [وبهذا اندفع ما أورده الرملي من المنافاة بين عبارة "الخَانِيَّة" وغيرها] اهـ.

وقال العلَّامة سراج الدِّين ابن نُجَيْم الحنفي في "النهر الفائق" (2/ 317، ط. دار الكتب العلمية): [بخلاف ما لو أقرَّ به وادعى أنه كان هازلًا أو كاذبًا حيث يقع قضاء إلا إذا أَشهد قبل ذلك لزوال التهمة به كما في "القُنْيَة"] اهـ.

وقال العلامة الأمير المالكي في "ضوء الشموع شرح المجموع" (2/ 438، ط. مكتبة الإمام مالك): [(وإن حلف على تكذيب نفسه) في إقراره، أو بينة قبل الحلف فيكذبها؛ لأنه كالطعن، وإن عمل بها في الحق. وأما إن شهدت بالفعل بعد ما حلف عليه، فيحنث ولو كذبها (صدق بيمين في القضاء وإن أقرَّ بمحلوف عليه، ثم رجع صُدِّق في الفتوى) ومنه رجوع عن الإقرار بالطلاق، أو الحلف] اهـ.

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب" (3/ 276، ط. دار الكتاب الإسلامي): [وإنْ أقرَّ بالطلاق كاذبًا: لم تُطلق زوجتُه باطنًا، وإنما تُطلق ظاهرًا] اهـ.

وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "تحفة المحتاج" (8/ 133، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ولو قيل له استخبارًا: أَطَلَّقْتَها؟ فقال: نعم. فإقرارٌ به؛ لأنه صريحُ إقرارٍ، فإنْ كَذَبَ فهي زوجتُه باطنًا] اهـ.

وقال العلامة شمس الدِّين ابن قدامة الحنبلي في "الشرح الكبير" (8/ 305، ط. دار الكتاب العربي): [(وإن قال: حلفتُ بالطلاق وكَذَبَ، لزمه إقرارُه في الحكم ولا يلزمه فيما بينه وبين الله تعالى، وإن قال: حلفت بالطلاق أو عليَّ يمين بالطلاق ولم يكن حلف، لم يلزمه شيء فيما بينه وبين الله تعالى، ولزمه ما أقر به في الحكم) ذكره القاضي وأبو الخطاب؛ لأنه يحتمل ما قاله، ويلزمه في الحكم؛ لأنه خلاف ما أقرَّ به] اهـ.

وقال العلامة ابن مُفْلِح الحنبلي في "الفروع" (9/ 47، ط: مؤسسة الرسالة): [وإنْ قال: حلفتُ بالطلاق، وكُذِّب، دُيِّنَ ولزمه حُكمًا على الأصح، وإن سئل: أَطَلَّقْتَ امرأتك؟ قال: نعم، أوْ أَلَكَ امرأة؟ قال: قد طلقتُها، يريد الكذب، وقع. وقال ابنُ أبي موسى: حكمًا] اهـ.

مدى ترتب أثر الطلاق الشفوي حال إقرار الطرفين به من غير تلفظ

على ذلك يتخرَّج حكم مَن أقرَّ في ورقة غير رسمية أنه قد طلَّق زوجته، ثم أخبر بعد ذلك أنه لم يُطَلِّقها وأن هذا الإقرار قد صدر منه على خلافِ الواقع بأن أَقَرَّ على نفسه بأمر لم يَحدث، أو أنه ظن أن ما قاله يقع به الطلاق فأقر به ثم تبين له الخطأ -كما هي مسألتنا-، فما لم يكن نزاع بينه وبين المقَرِّ له، ولم يكن الأمر منظورًا قضاء: فيُقبل منه رجوعه ويُصَدَّق في الفتوى، وأما إذا وُجد النزاعُ: فالأمرُ كله مردُّه إلى القاضي؛ لأنه المختص برفع ما يقع من الاختلاف بين الحكم في الظاهر والحكم في الباطن -وهو ما يُعرف بالحكم قضاءً والإفتاء ديانةً-، وهو ما يتفق مع القاعدة الشرعية التي تقرر أنَّ "حكم الحاكم يرفع الخلاف"، والعملُ بذلك حينئذٍ واجبٌ.

قال الإمام القَرافي المالكي في "الفروق" (2/ 103، ط. عالم الكتب): [اعلم أن حكم الحاكم في مسائل الاجتهاد يرفع الخلاف، ويرجع المخالف عن مذهبه لمذهب الحاكم وتتغير فتياه بعد الحكم عما كانت عليه، على القول الصحيح من مذاهب العلماء] اهـ.

وهذا، إذا لم يقم دليل أو قرينة على كذب المقر بالطلاق في إقراره، فإن قام دليلٌ أو قرينةٌ كان الإقرار باطلًا ولا أثر له، أما إذا ادَّعى الكذب في الإقرار دون دليلٍ أو قرينةٍ لا يُقبل منه هذا الادعاء قضاء إلا في حقِّ تحليف المقر له على قول أبي يوسف، وهو المفتى به عند الحنفية، ولكن يُقبل منه ديانة، ولا فرق في ذلك بين الإقرار أمام القضاء وفي أثناء الخصومة وغيره، ولا بين الإقرار المكتوب وما عداه، بل يعم كلَّ نوع من أنواع الإقرار.

وهو ما أفاده العلَّامة ابن عابدين الحنفي بحثًا واستخلاصًا حيث قال في "رد المحتار" (5/ 604): [وظاهره: أنَّ المقرَّ إذا ادعى الإقرار كاذبًا يحلف المقر له أو وارثه على المفتى به قول أبي يوسف مطلقًا، سواء كان مضطرًّا إلى الكذب في الإقرار أو لا... نقل الشارح عن "شرح الوهبانية للشرنبلالي" ما يدل على أنه إنما يفتى بقول أبي يوسف: من أنه يحلف له أن المقر ما أقرَّ كاذبًا في صورةٍ يوجد فيها اضطرار المقر إلى الكذب في الإقرار... كذا في "حاشية مسكين" للشيخ محمد أبي السعود المصري] اهـ.

وقال العلامةُ ابنُ حجر الهَيتمي في "تحفة المحتاج" (8/ 87): [فرع: أقر بطلاقٍ أو بالثلاث ثم أنكرَ، أو قال: لم يكن إلا واحدة: فإنْ لم يَذكُر عُذرًا: لم يُقبل، وإلا كظننتُ... ما وقع طلاقًا، فأُفتيتُ بخلافه، وصَدَّقَتْه، أو أقامَ به بينة: قُبِلَ] اهـ.

قال العلامة الشرواني مُحشِّيًا: [قوله: (فأُفتيت بخلافه) أي: بأن ما وقع لم يكن طلاقًا، فكان الظنُّ فاسدًا، فالإقرار كذلك... وقوله: (أو أقام به) أي: بالخلاف المذكور] اهـ.

ومقتضى ذلك أنه إذا أمكن تصحيح الإقرار بجعله إخبارًا عن طلاق سابق يكون إخبارًا، وذلك إذا قامت قرينةٌ بإضافته إلى زمنٍ ماضٍ، وإن لم يمكن تصحيحه إخبارًا يكون إنشاء للطلاق في الحال؛ قال العلامة ابن عابدين الحنفي في "العقود الدرية" (1/ 40، ط. دار المعرفة): [سُئِل في رجلٍ سُئِلَ عن زوجته فقال: أنا طلقتُها وعَدَّيْتُ عنها، والحالُ أنه لم يُطلقها، بل أخبر كاذبًا، فما الحكم؟ فأجاب: لا يُصَدَّق قضاء، ويُدَيَّنُ فيما بينه وبين الله تعالى. وفي "العلائي" عن شرح "نظم الوهبانية": قال: أنتِ طالق، أو أنتَ حُرٌّ، وعَنَى به الإخبار كذبًا: وَقَع قضاء إلا إذا أشهد على ذلك] اهـ.

وهو ما أفتى به فضيلة العلَّامة أحمد عبد العال هريدي -مفتي الديار المصرية الأسبق- في فتواه (رقم 484 لسنة 1966م- سجل 100): [الإخبارُ بالطلاق صحيحٌ، وإذا أمكن تصحيح هذا الإخبار بجعله إخبارًا عن طلاق سابقٍ يكون إخبارًا محضًا ولا يقع به طلاق، وإن لم يمكن تصحيحه إخبارًا يكون إنشاء للطلاق في الحال، ويقع به طلاقٌ من تاريخ الإقرار ما لم يُسْنده إلى زمنٍ ماضٍ، فإن أسنده إلى زمنٍ ماضٍ كان الطلاق من وقت الإقرار لا من الزمن الذي أُسْنِد إليه] اهـ.

وقبول الرجوع في الإقرار في حالات دون غيرها، وتفويض الأمر إلى القاضي حال وجود النزاع بين الطرفين -هو ما سار عليه قضاءُ محكمة النقض المصرية؛ فقد قضت في الطعن رقم (17648) لسنة (84) قضائية لعام (2022م) بأن: [الإقرار غير القضائي لا يحتسب حجية قاطعة، إلا أن يكون خاضعًا لتقدير محكمة الشأن، لها أن تعتبره دليلًا كتابيًّا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو قرينة، ولها ألا تأخذ به أصلًا] اهـ.

هذا، وقد ذكر فقهاء الشافعية في الأصح والحنابلة في رواية (خرجها القاضي الشريف، وصوبها بعضهم)، من أنَّ الكتابة -على جهةِ الإنشاءِ- تُعدُّ كنايةً لا يقع الطلاق بمجرَّدها، بل لا بد من النية المصاحبة لها:

قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي الشافعي في "المهذب" (3/ 13، ط. دار الكتب العلمية): [فصل: إذا كتب طلاق امرأته بلفظ صريح ولم ينْوِ: لم يقع الطلاق] اهـ.

وقال الإمام ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (7/ 486-487، ط. مكتبة القاهرة): [فأما إن كان كَتَبَ ذلك من غيرِ نيةٍ، فقال أبو الخطاب: قد خرَّجها القاضي الشريف في "الإرشاد" على روايتين... والثانية: لا يقع إلا بنية] اهـ.

قال العلَّامة المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (8/ 472-473، ط. دار إحياء التراث العربي): [الثاني: أنه كناية، فلا يقع من غير نية. جزم به في "الوجيز". قال في "الرعاية": وهو أظهر. قلت: وهو الصواب... قال في "الفروع": ويتخرج أنه لغو، اختاره بعض الأصحاب؛ بناء على إقراره بخطه. وفيه وجهان. قال: ويتوجه عليها صحة الولاية بالخط، وصحة الحكم به. انتهى. قال في "الرعاية": ويتخرج أنه لا يقع بخطه شيء، ولو نواه؛ بناء على أن الخط بالحق ليس إقرارًا شرعيًّا في الأصح، انتهى. قلت: النفس تميل إلى عدم الوقوع بذلك] اهـ.

وقال في "التحبير شرح التحرير" (5/ 2157): [ذكر الأصحاب: أنه لو كتب صريح الطلاق ونوى به الطلاق... وخرَّجوا قولًا بعدم وقوع الطلاق ولو نوى به الطلاق، بل هو لغوٌ] اهـ.

الضوابط التي ينبغي مراعاتها عند الحكم بالطلاق في مثل هذه الحالات

من خلال ما سبق، فيراعى في الحكم بوقوع مثل هذه الواقعات من مسائل الطلاق الآتي:

أولًا: يُؤاخذ الزوج قضاءً وديانةً بإخباره وإقراره بوقوع طلاقٍ سابقٍ منه متى كان صادقًا فيهما، فإن لم يكن قد حصل منه طلاقٌ في الواقع أو رجع في إقراره، أو أنكره ونفى ما أقرَّ به على نفسه، أوْ نفى وقوعَه، أو ادَّعى أنه كان كاذبًا فيه أو هازلًا في إقراره أُخِذ بهذا الإقرار قضاءً ويحكم بوقوع الطلاق، أمَّا ديانةً -أي: فيما بينه وبين الله تعالى- فيُصدَّق، وفي حالة إقامة الزوج بينةً على ما يدعيه فإنَّه يصدَّق قضاءً وديانةً.

ثانيًا: إن قام دليلٌ أو قرينةٌ كان الإقرار باطلًا ولا أثر له.

ثالثًا: إذا ادَّعى الزوج الكذب في الإقرار دون دليلٍ أو قرينةٍ لا يُقبل منه هذا الادعاء قضاء إلا في حقِّ تحليف المقر له على قول أبي يوسف، وهو المفتى به عند الحنفية، ولكن يُقبل منه ديانة.

رابعًا: لا فرق في ذلك بين الإقرار أمام القضاء وفي أثناء الخصومة وغيره، ولا بين الإقرار المكتوب وما عداه، بل يعم كلَّ نوع من أنواع الإقرار.

خامسًا: إذا أمكن تصحيح الإقرار بجعله إخبارًا عن طلاق سابق يكون إخبارًا، وذلك إذا قامت قرينةٌ بإضافته إلى زمنٍ ماضٍ، وإلَّا فيكون إنشاءً للطلاق في الحال.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنَّ إقراركَ في ورقة عرفية أنكَ قد طلَّقتَ زوجتَكَ في وقتٍ سابق، ثم رجعت في إقرارِكَ بحجة أنكَ لم تكن قد طلَّقت فعلًا، وأن هذا الإقرارَ صدر منكَ على خلافِ الواقع: فيقبل رجوعكَ عن هذا الإقرار حينئذ، إن لم يكن نزاع بينكَ وبين زوجتكَ، ولم ترفعا أمركما إلى القضاء، أما إذا لم تصدقكَ زوجتكَ، أو وقع نزاع بينكما، أو رفعت الأمر إلى القضاء: فالأمر حينئذ إلى القاضي، وما يقضي به فهو رافعٌ للخلاف والنزاع؛ على ما تقرَّر شرعًا أنَّ: "حكم الحاكم يرفعُ الخلاف".

والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

اقرأ أيضا