بيان مذاهب العلماء في أركان الصيام

08 أبريل 2024 م

ما هي مذاهب العلماء في أركان الصيام؟

المحتويات

 

الفرق بين الركن والشرط

المقصود بأركان الصَّوْم: ما لا يقوم الصَّوْم ولا يتحقَّق إلَّا بوجودها؛ إذ حقيقة الرُّكْن: أنه جزءٌ من الشيءِ، وداخل في ماهِيَّتِهِ بحيثُ يتوقَّف تَقوُّمُ الشيء عليه. ينظر: "حاشية ابن عابدين على الدر المختار" (1/ 94، ط. دار الفكر).

وهذا بخلاف الشرط، فهو ما يتوقَّف عليه المشروط وهو خارج عن ماهيته؛ كما في "البناية شرح الهداية" للإمام بَدر الدين العَيْني (2/ 155، ط. دار الكتب العلمية).

مذاهب الفقهاء في أركان الصيام

قد اختلف الفقهاء في عَدِّ هذه الأركان، وجملتها: الإمساكُ عن المفطرات، والنيةُ، والصائمُ.

أمَّا الإمساك عن المفطرات: فقد اتفق فقهاء الحنفية، والمالكيةُ، والشافعيةُ، والحنابلةُ على أنَّه ركن من أركان الصوم، ونصَّ الحنفية على أَنَّ ركن الصوم واحدٌ وهو: الإمساكُ عن المفطرات خاصة. وأما النَّية: فهي ركن من أركان الصوم عند المالكيةُ، والشافعيةُ، والحنابلةُ في أحد القولين، وانفرد الشافعية في عَدِّ الصائم ركنًا مِن أركان الصوم.

قال العلَّامة الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/ 90، ط. دار الكتب العلمية) في كلامه عن الصيام: [وأَمَّا ركنه: فالإمساك عن الأكل، والشرب، والجماع] اهـ.

وقال العلَّامة أبو البركات الدَّرْدير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 695، ط. دار المعارف): [(وركنُه) أي: الصوم أمران: أولهما: (النية): اعلم أنَّهم عرَّفوا الصوم بأنه: الكف عن شهوتي البطن والفرج من طلوع الفجر لغروب الشمس بنيةٍ؛ فالنية ركنٌ، والإمساكُ عَمَّا ذُكِر رُكنٌ ثانٍ] اهـ.

وقال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج" (2/ 146، ط. دار الكتب العلمية) عند عَدِّ أركان الصوم: [نيةٌ، وإمساكٌ عن المفطرات، وصائمٌ] اهـ.

وقال العَلَّامة موفَّق الدِّين ابن قُدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 115، ط. مكتبة القاهرة): [وأَمَّا الصوم فإِنَّ النَّية شرط أَو ركن فيه، فلا يتصور وجوده بدون شرطه وركنه...ولنا: أَنَّ الصوم هو الإمساكُ مع النية...ولأنَّ النية أحد ركني الصوم، فلا تجزئ وحدَها، كالإمساك وحده] اهـ.

أمَّا الركن الأول، وهو النية، فمُدْرك رُكْنيته قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتفق عليه: "إنَّما الأعمال بالنيات".

وقد قَرَّر جمهور الفقهاء أنَّه يلزم تعيين النية في الصوم الواجب قبل الشروع فيه؛ أي: قبل طلوع الفجر، ويكون وقتها في أيِّ جزءٍ مِن الليل؛ مِن غروب الشمس إلى طلوع الفجر، كما في "الشرح الكبير" لأبي البركات الدَّرْدير (1/ 520، ط. دار الفكر)، و"أسنى المطالب" لزين الدِّين زكريا الأنصاري (1/ 411، ط. دار الكتاب الإسلامي)، و"المغني" لموفَّق الدِّين ابن قُدامة (3/ 109).

ودليل هذا التعيين السابق لحديث أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ فَلَا صِيَامَ لَهُ» أخرجه النسائي في "السنن".

وخالفهم في ذلك الحنفيَّة فقالوا بأن تبييت النية مستحب، ويصح أن تكون نهارًا؛ لأن وقتها يمتد إلى الضحوة الكبرى، كما في "تبيين الحقائق" للعلامة الزَّيْلَعِي (1/ 315، ط. الأميرية).

وأمَّا الركن الثاني: وهو الإمساك عن المفطرات، أي: الإمساك عن الأكل، والشرب، والجماع والإنزال مع العلم بالتحريم وذِكْر الصوم.

وضابط الـمُفْطِر عند فقهاء المذاهب الأربعة في الجملة: كلُّ عينٍ وصلت من الظاهر إِلى الباطن في منفذٍ مفتوحٍ عن قصد سواء كان للتَّغذِّي أَو للتَّداوي، أَو من الأَشياء التي تُؤكل أَو لا تُؤكل، المائعة أَو الجامدة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس؛ لقوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].

فقد أباح الله لنا الأكل، والشرب، والجماع في ليالي رمضان، حتى يتبين ضوء النهار من ظلمة الليل من الفجر، ثمَّ أمر سبحانه وتعالى بالإمساك عن هذه الأشياء في النهار بقوله عزَّ وجلَّ: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: 187].

وأمَّا الركن الثالث الذي اختص الشافعية بالنَّصِّ عليه، وهو الصائم، فإنما عَدُّوه ركنًا في باب الصوم، ولم يعدوه في الصلاة كذلك؛ لأنَّ الصوم أمر عدمي لا وجود لماهيته في الخارج، بخلاف الصلاة.

والمراد بعَدِّ الصائم من أركان الصيام، أي: الشروط التي تشترط في الصائم لكي يقوم بهذه العبادة من الإسلام، والبلوغ، والعقل، ونقاء المرأة من الحيض والنفاس. ينظر: "شرح منهج الطلاب" لزين الدِّين زكريا الأنصاري (2/ 323، ط. دار الفكر).

والحقيقةُ أنَّه لم يخالِف في هذه الشروط المذاهبُ الأخرى، فإنهم متفقون على أنَّه لا يصح صوم مَن اتصف بضد شيءٍ مما ذُكِر، فالخلاف في هذه المسألة خلاف اصطلاحي.

والمستفاد مِن عَدِّ هذه الأركان، هو بيان حقيقة الصوم وما يتوقَّف عليه ولا يتحقَّق إلَّا بوجوده، فمتى تحققت هذه الأركان صَحَّ الصوم حتى وإن ارتكب الصائم شيئًا من المحظورات، كالغِيْبة والكذب، فينقُصُ أجره لكن لا يُبْطِل صومه بها، ومتى فُقدت هذه الأركان بَطَل الصوم حتى وإن أتى بشيء من الطاعات، فيأخذ أجرها لكن يظل صومه باطلًا.

الخلاصة

بناءً على ما سبق: فالفقهاء متفقون على أنَّ الإمساك عن المفطرات ركن من أركان الصوم، وزاد المالكية والشافعية والحنابلة: النية، وزاد الشافعية ركنًا ثالثًا وهو: الصائم، فمتى تحققت هذه الأركان صَّح الصوم حتى وإن ارتكب الصائم شيئًا من المحظورات، ومتى تَرَك ركنًا منها بَطَل الصوم حتى وإن أتى بشتى الطاعات.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

اقرأ أيضا