حكم ترك طواف الوداع للمرأة الحامل

02 يوليو 2024 م

ما حكم ترك طواف الوداع للمرأة الحامل؟ فقد قامت زوجتي بالحج معي، وقبل قيامنا بطواف الوداع انتابها دوار شديد فأُغمي عليها؛ لأنها حامل في الشهر السادس، فلما أفاقت حاولَتِ الإتيان بالطواف فلم تستطع، ورجعنا دون أن تطوف طواف الوداع، فهل عليها شيء؟

المحتويات 

 

بيان المراد بطواف الوداع والمُخاطب به

طواف الوداع: هو الذي يقوم به الحاجُّ الآفاقي بعد انتهائه من المناسك وعزمه على الخروج من مكة مختتمًا به مناسكه، وله أسماء عدة منها: "طواف الصَّدر"؛ وذلك لصدوره من القائم بالمناسك عن البيت ورجوعه، كما يسمى أيضًا بـ"طواف العهد"؛ لأن القائم بالمناسك يُودِّع البيت فيكون آخر عهده به الطواف. ووقته: قُبَيْلَ خروج الآفاقي من الحرم إلى وطنه وبلاده. ينظر: "الهداية" لبرهان الدين المَرْغِينَاني الحنفي (1/ 148، ط. دار إحياء التراث)، و"مواهب الجليل" لشمس الدين الحَطَّاب الرُّعَيْني المالكي (3/ 137، ط. دار الفكر)، و"روضة الطالبين" لمحيي الدين النووي الشافعي (3/ 90، ط. دار الفكر)، و"شرح منتهى الإرادات" للعلَّامة البُهوتي الحنبلي (1/ 591، ط. عالم الكتب).

والمُخاطب بطواف الوداع هم أهل الآفاق من غير المكيين وأهل الحرم، ومن غير آفاقيٍّ نوى الإقامة، فالمكي ليس عليه طواف وداع؛ لأن الطواف وجب توديعًا للبيت، وهذا المعنى لا يتحقق في أهل مكة لاستيطانهم إياها، فانتفى معناه في حقهم، وقد نقل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحد من العلماء.

قال العلَّامة ابن رُشد في "بداية المجتهد" (2/ 109، ط. دار الحديث): [وأجمعوا على أنَّ المكيَّ ليس عليه إلا طواف الإفاضة] اهـ.

وقال الإمام الرافعي في "فتح العزيز" (7/ 412، ط. دار الفكر): [اتفقوا على أنَّ المكي إذا حجَّ وهو عازمٌ على أن يُقيم بوطنه لا يُؤْمَر بطواف الوداع] اهـ.

حكم طواف الوداع ونصوص الفقهاء الواردة في ذلك

المختار للفتوى أنه سنة، وهو مذهب المالكية، وداود، وابن المنذر، ومجاهد في رواية عنه، وقول للشافعية، ولا شيء على مَن تركه، بل حجه صحيح، غير أنه قد فاتته الفضيلة.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس ينصرفون كلَّ وجهٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا يَنْفِرْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ» متفقٌ عليه.

وعنه أيضًا قَال: "أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ، إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ المَرْأَةِ الحَائِضِ" أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه"؛ فرخَّص للحائض في تركه ولم يأمرها بدم ولا نحوه، مما يدل على سُنِّيَّته؛ لأنه لو كان واجبًا لأوجب على الحائض دمًا بتركه.

وعَنْ أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَرَادَ مِن صَفِيَّةَ بَعْضَ مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِن أَهْلِهِ، فَقَالُوا: إِنَّهَا حَائِضٌ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «وَإِنَّهَا لَحَابِسَتُنَا؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهَا قَدْ زَارَتْ يَومَ النَّحْرِ، قَالَ: «فَلْتَنفِرْ مَعَكُمْ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".

قال الإمام أبو الوليد الباجي المالكي في "المنتقى" (2/ 293، ط. مطبعة السعادة): [فوجه الدليل من الحديث: أنه خاف ألَّا تكون طافت للإفاضة، وأن يحبسهم ذلك بمكة، فلما أُخبر أنها قد أفاضت، قال: اخرجوا، ولم يحبسهم لعذر طواف الوداع على صفية كما خاف أن يحبسهم لعذر طواف الإفاضة] اهـ.

وقال الشيخ الدردير المالكي في "الشرح الكبير" (2/ 53، ط. دار الفكر): [(و) نُدب لِمَن خرج من مكة ولو مكيًّا، أو قدم إليها بتجارة (طواف الوداع إن خرج) أي: أراد الخروج (لِكَالجُحْفَةِ) ونحوها من بقية المواقيت، أراد العود أم لا، إلا المتردد لِمَكَّةَ لِحَطَبٍ ونحوه؛ فلا وداع عليه] اهـ.

وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (8/ 253، ط. دار الفكر): [(إذا فرغ من الحج وأراد المقام بمكة لم يُكَلَّف طواف الوداع، فإن أراد الخروج طاف للوداع وصلَّى ركعتي الطواف، وهل يجب طواف الوداع أم لا؟ فيه قولان:... (والثاني): لا يجب؛ لأنه لو وجب لم يجز للحائض تركه] اهـ.

وقال أيضًا في "المجموع" (8/ 284): [قال مالك وداود وابن المنذر: هو سُنَّةٌ لا شيء في تركه، وعن مجاهد روايتان كالمذهبين] اهـ.

حكم ترك طواف الوداع للمرأة الحامل

بخصوص الزوجة التي شرعت في طواف الوداع ثم لِعَرَضٍ أَلَمَّ بها جراء الحمل لم تستطع إتمامه ولا إيقاعه مرة أخرى لاستمرار العذر بها فلا شيء عليها بسبب تركها إياه، وحجُّها صحيح ما دامت قد أتت بأركانه على صفتها؛ لأن طواف الوداع سنة كما هو المختار، فلا يجب بتركه دم.

قال العلَّامة أبو الحسن علي بن خلف المنوفي المالكي في "كفاية الطالب الرباني" (1/ 547، ط. دار الفكر): [(فإذا خرج) أي: أراد الخروج (من مكة) المشرفة (طاف للوداع) بفتح الواو وكسرها، وهذا الطواف مستحب لا دم في تركه] اهـ.

قال الشيخ العدوي مُحَشِّيًا عليه: [وهو الراجح] اهـ.

وقال الإمام محيي الدين النووي الشافعي في "منهاج الطالبين" (ص: 90، ط. دار الفكر): [وفي قولٍ: سُنَّةٌ لا يُجبر] اهـ.

بل ولا يلزمها شيء عند مَن قال بوجوبه؛ لأنه قد تقرر في قواعد الحنفية -وهم من القائلين بوجوبه- أنَّ ترك النُّسُك الواجب لعذرٍ لا مِن قِبَل العباد يُسقط الكفارة، ولذلك سقط عن المرأة الدمُ إذا حاضت قبل طواف الوداع مع كونه طوافًا واجبًا عندهم، وقياسه: مَن ألمَّ بها عذر خارج عنها واستمر حتى حال دونه فإنه لا يلزمها شيء.

قال الإمام علاء الدين الكاساني في "بدائع الصنائع" (2/ 142، ط. دار الكتب العلمية): [طواف الصَّدَر واجبٌ عندنا... ودليل الوجوب: ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، فَلْيَكُنْ آخِرَ عَهْدِهِ بِهِ الطَّوَافُ»، ومطلق الأمر لوجوب العمل، إلا أن الحائض خُصَّت عن هذا العموم بدليل، وهو ما روي «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِلنِّسَاءِ الْحُيَّضِ تَرْكَ طَوَافِ الصَّدَرِ لِعُذْرِ الْحَيْضِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُنَّ بِإِقَامَةِ شَيْءٍ آخَرَ مَقَامَهُ»، وهو الدم، وهذا أصلٌ عندنا في كل نُسُك جاز تركه لعذر: أنه لا يجب بتركه مِن المعذور كفارة، والله أعلم] اهـ.

الخلاصة

بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فلا يلزم زوجتك بتركها طواف الوداع على النحو الوارد في السؤال شيءٌ من دم ونحوه.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

اقرأ أيضا